meta content='أنا المصرى' name='title'/> May 2012 | أنا المسلم

اخر المواضيع

Saturday, May 12, 2012

فليشهد التاريخ


فليشهد التاريخ أن المرات التى وطئت فيها المساجد فى مصر بالجزم كانت مرتين 
الأولى 
على يد المحتل الحقير نابليون بونابرت عندما وطئت جنوده بأحزيتهم وعلى أظهر الخيول الأزهر الشريف
والثانية 
للأسف أيضا على يد محتل من نوع اخر محتل من بنى جلدتنا
انه العسكرى المصرى تحت امرة حمدى بدين وطنطاوى وعصابته الاثمة


لا ندعى على الجيش ومجلس عسكره شىء انما نرى باعيننا ونحكم عقولنا
قالوا لم يدخلوا المسجد بالاحذيه والبيادات العسكريه
فى هذا الفيديو شاهد دخول وخروج عساكر وظباط الجيش فى مسجد النور بالاحذيه وايضا صعودهم الى سطح المسجد بالاحذيه
اكيد مش هيقلعوا البيادات وهم داخلين ولما يطلعوا السطح يلبسوها
شاهد ايضا خلواسطح المسجد من المتظاهرين المسلحين بل اقتحم الجنود سطح المسجد باعداد كثيره ولم يكن بالسطح شخص ليقبض عليه
هذا هو الجيش المصرى الذى كانت عقيدته والله يرحمها طبعا هو عدم رفع السلاح على الشعب المصرى بل على عدوهم 
امام الشعب الان عيانا بيانا بالفيديو حقيقة احداث اقتحام مسجد العباسيه بالاحذيه وايضا خلوا سطحه من الاسلحه
والله يرحمك يا شرف العسكريه المصريه








Thursday, May 10, 2012

شركة مصر للطيران أحمد شفيق طلعت 9 أسوأ مطار فى العالم


حمله جتها نيله اللى عاوزه شفيق ...
http://www.businessinsider.com/worst-airlines-in-the-world-2010-12#9-egypt-air-2
شركة مصر للطيران اللى قارفنا بيه شفيق فى كل لقاء طلعت 9 أسوأ مطار فى العالم بقترح على شفيق انه يعين الراجل اللي عمل موقف التوكتوك فى خربتها الجوانية ,,
للعلم بالشئ .. مطار لندن يسمي مطار هيثرو
.................. عرضت 3 صور للصالات علشان اوضح ان المطار مش بالشكل او المعمار بس بل بالخدمات و العروض و سهوله التعامل و الاحترام و حسن الأستقبال
.................. دي بلاغات متقدمه ضد شفيق باشا و لن يتم البت فيها لان شفيق عسكري و يحاكم فقط اما القضاء العسكري مهما تسبب من فساد و سلملي على القضاء العسكري ....
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
قدم العاملون حافظة بالمستندات والوثائق التى تؤيد وجهة نظرهم وتضمنت 24 بلاغًا جاءت كالتالي :
1- قام أحمد شفيق بإسناد عملية إنشاء مبنى الركاب الجديد رقم 3 بمطار القاهرة إلي شركات تابعة لمجدي راسخ ومحمود الجمال ولبعض أصدقائه بالأمر المباشر وبأرقام فلكية حيث بلغت تكلفة المبنى 3,3مليار بقروض من البنك الدولي .
2 - بلغت خسائر تشغيل مبنى الركاب رقم 3 أكثر من 500 مليون جنيه سنويا.
3- الشركة التي أشرفت علي إنشاء المبنى رقم 3 وهي تاس التركية قامت بإنشاء مطار أتاتورك بتركيا وهو يمثل ثلاثة أضعاف مطار القاهرة بدون قروض بنظام "p.o.t " لمدة محددة ودون تحميل الدولة التركية أية أعباء أو خسائر.
4-قام أحمد شفيق ببيع 500 ألف متر مربع من الأراضي الواقعة في زمام مكان وزارة الطيران المدني لرجل الأعمال فهد الشبكشي بسعر جنيه واحد للمتر المربع وكذلك باع 4000 متر مربع لشركة مارسيم العالمية لبناء فندق بالمطار الجديد بالأمر المباشر وبدون مناقصة بسعر جنيه واحد للمتر المربع وهذا الفندق يمتلك فهد الشبكشي 50% من حصته .
5-قام أحمد شفيق بتقديم مليون متر مربع لوجدي كرارة برسم إشغال واحد جنيه شهريا في زمام وزارة الطيران المدني .
6-بصفته رئيس أمناء مارينا قام شفيق بمنح حق استغلال فندقين بمارينا لوجدي كرارة أيضا مقابل مليون حنيه سنويا رغم أن الفندقين يحققان أرباحا ً تتراوح مابين 50 إلي 60 مليون جنيه سنويا ً.
7- قام أحمد شفيق ببيع الطائرات المملوكة لمصر للطيران بنظام الشراء التشغيلي ومرهونة بأصول مصر للطيران
8- قام بإدراج قيمة الطائرات علي إنها إيرادات للتغطية على خسائر الشركات التابعة لمصر للطيران وعلي سبيل المثال شركة الخطوط الجوية بلغت خسائرها 580مليون جنيه العام الماضي.
9-قام أحمد شفيق ببناء ممر رابع وبرج مراقبة جديد بمطار القاهرة بتكلفة مليار و 250 مليون جنيه بالرغم من وجود ثلاثة ممرات وبرج مراقبة مع أن كثافة حركة الطيران بمطار القاهرة لا تستدعي هذه الإنشاءات التي تعد إهدارا ً للمال العام وعلي سبيل المثال فمطار هيثرو بلندن به ممران فقط رغم أن كثافة حركة الطيران به تبلغ خمسة أضعاف كثافة الطيران في مطار القاهرة.
10- قام أحمد شفيق ببناء "مول تجاري"أمام صالة الوصول رقم 3 بالمطار القديم بتكلفة 100 مليون جنيه ولم يحقق أية إيرادات وفشل المشروع في مطار شرم الشيخ وأنشأ مولا تجاريا بتكلفة 40 مليون جنيه وتم تحويله إلي مخزن تجميع عفش الركاب ويتم الآن إنشاء مترو طائر يربط بين مطار رقم 1ومطار 3 بتكلفة 250 مليون رغم أن حركة ركاب الترانزيت والمسافة بين المبنيين لا تستدعي هذا الإهدار للمال العام حيث تم الايحاء من شركات عالمية غير متخصصة بإمكانية تحويل مطار القاهرة إلي مطار محوري ولم يشيروا في دراستهم إلي وجود مطارين محوريين منافسين في المنطقة وهما دي ونيروبي بإمكانيات هائلة وكان الهدف فقط أن يظهر أحمد شفيق أمام الشعب أنه أنشأ مطارا عالميا ولم يتساءل أحد كم تكلف هذا المشروع وكم من الأموال أهدرت وكم تكلفة إقامة عائلة أحمد شفيق في باريس لمدة 12يوما ؟ لقد تكلفت 600ألف جنيه تم تحميلها علي ميزانية مصر للطيران .. وهذه مرة من عشرات المرات .
11 -يمتلك أحمد شفيق قصرا ًفي التجمع الخامس وقصرا ًآخر فى مارينا تم تخصيصهما له من محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق وكذلك قصر فى باريس وقام بإنشاء طريق بين التجمع الخامس والمطار لخدمة سيادته بحجة خدمة الركاب القادمين من التجمع الخامس والمدن الجديدة بتكلفة 120مليون جنيه والطريق خال تماماً طوال 24 ساعة
12 - قام أحمد شفيق بتعيين أكثر من 600 لواء وعميد متقاعد فى وزارة الطيران بلغت مرتباتهم الشهرية نحو 9 ملايين جنيه
13 -قام بنقل 3 من أصدقائه المقربين للعمل كمديرين لمكاتب مصر للطيران فى الخارج وهم محمد الكردى مدير مكتبه وعبد الحميد شلبى لواء قوات جوية ومدير الأمن بوزارة الطيران وأحمد البلتاجى الملحق العسكرى بفرنسا ووصل مرتب كل منهم الى 20 ألف يورو شهرياً
14 - قامت مصر للطيران بتعليمات من أحمد شفيق بإلغاء عقد شركة مالى جيم الألمانية التى تم إرساء عقد إدارة فندق موفنبيك المطار والذى تساهم فيه مصر للطيران بنسبة 50% ودفعت مصر للطيران للشريك السعودى 4,2 مليون يورو كغرامة فسخ عقد وتم إعادة الإدارة إلى شركة موفنبيك لأن علاء وجمال مبارك شريكان فى شركة موفنبيك لإدارة الفنادق .
15 -وافقت سلطة الطيران المدنى المصرى لشركة مالى كوبر الإنجليزية على إنشاء مطار فى منطقة رأس سدر بنظام p.o.t ولكن لدواعى أمنية تم إلغاء المشروع ورفض أحمد شفيق دفع 5 ملايين جنيه غرامة تعويض للشركة وبعد جلسات تحكيم دولى طلبت الشركة مبلغ 50 مليون جنيه الحد الأقصى كتعويض تم تخصيص المبلغ إلى 15 مليون دولار تم دفعه بالكامل وأشيع فى ذلك الوقت أن الحكم قد تم الغاؤه وهذا غير صحيح .
16 - صندوق تطوير وتنمية الطيران رأس ماله يتراوح بين 200 الى 300 مليون جنيه يتم التصرف فيه عبر أحمد شفيق شخصياً وبدون أيه جهه رقابية .
17 -تم بيع طائرتى مصر للطيران الجامبوالعملاقة بمبلغ 2 مليون جنيه وهذا المبلغ لايساوى ثمن محرك للطائرتين .
18 - مستشفى مصر للطيران تم بناؤه بمجهود العاملين فى مصر للطيران وتم تحويلة بأمر من شفيق إلى مستشفى عام للشركات والفنانين وتم عزل موظفى مصر للطيران فى مبنى صغير وأصبحوا غرباء داخل مستشفاهم.
19 -تم إسناد إدارة مستشفى مصر للطيران للواء عبد السلام حلمى وهو ليس طبيباً ولكن مهندس حفلات أحمد شفيق والذى عمل دعاية لحفل الشركة بين مستشفى مصر للطيران ومستشفى جورج بومبيرو الفرنسية وتم الاستعانه بشركة دعاية وتكلف الحفل مبالغ خيالية .
##إن سياسة أحمد شفيق وهتلر طنطاوى ووزير العدل ممدوح مرعى أدت إلى تكميم الأفواه وتشويه سمعة الشرفاء وتلفيق الاتهامات حتى وصلت الأمور إلى مهاجمة منازل الشرفاء فى منتصف الليل وحبسهم فى مبنى الرقابة الإدارية.
20 -المهندس عاطف عبد الحميد وزير النقل الحالى كان يشغل منصب رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران وتم عزله بأوامر رئاسية عليا لتقاضية عمولات .. واستعان به أحمد شفيق كوزير للنقل فى وزارته.
21-اللواء إبراهيم مناع رئيس الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية وشريك أحمد شفيق فى عمليات إنشاء المطارات تم الاستعانة به كوزير للطيران فى حكومة شفيق للتغطية على الأخطاء وإهدار المال العام.
22- تم إنشاء نادى للنشاط الرياضى للعاملين بوزارة الطيران وهيئه ميناء القاهرة الجوى وتخصيص 6,5 مليون من شركة الخطوط الجوية بمصر للطيران ومع ذلك غير مسموح لموظفى شركة الخطوط الجوية بدخول النادى قبل دفع رسم اشتراك 30 ألف جنيه ورسم سنوى.
23 - يوجد ماكينة لطبع تذاكر السفر بمكتب الوزير السابق أحمد شفيق وهي مخالفة مالية جسيمة وإهدار للمال العام لانه لايمكن مراقبة المبالغ المحصلة من استخراج هذه التذاكر.
24 -قام أحمد شفيق بتخصيص الأرض الواقعة على طريق المطار خلف لابوار لابن أحد المسئولين والذى أقام عليه مدينة ترفيهية تم تخصيص هذه الأرض بسعر جنيه للمتر المربع.
http://www.businessinsider.com/worst-airlines-in-the-world-2010-12#9-egypt-air-2

Wednesday, May 9, 2012

الأستاذ الدكتور "جمال برهامي" شاهد عيان على مذبحة غزة

الرابط للموضوع الأصلى :   http://medicalclub.bb-fr.com/t20475-topic

الأستاذ الدكتور "جمال برهامي"  شاهد عيان على مذبحة غزة

حاوره وقدم له د/ناجح إبراهيم

- ضيفنا اليوم الأستاذ الدكتور "جمال برهامي" هو الوحيد في كل جامعات مصر الذي يشغل هذا المنصب الرفيع ويركب عربة سيات متواضعة لا يكاد يبلغ ثمنها خمسة آلف جنيه.. ذلك إن قبل أحد أن يشتريها.

- وأول مرة قابلته فيها كان عندما جاء في الصباح الباكر ليجري عملية جراحية دقيقة في فك ابنة أحد الإخوة وكانت رضيعة وولدت بورم حميد في الفك يعوقها عن الرضاعة.. وقد نجح في استئصاله في ربع ساعة فقط.

- فقلت له: ما هذا يا دكتور جمال؟.. أنت أستاذ جراحة من أدق الجراحات في مصر منذ خمسة عشر عاماً وتركب عربة سيات.

- فقال لي: أنا الوحيد في أساتذة الجامعة كلها الذي يركب هذه السيارة حتى أن كل عمال الجراج في الكلية يعرفونني من سيارتي هذه.. 

- فقلت له : هذه لا تناسبك أبداً.. ويمكن أن تتعطل بك في أي مكان.. وتسبب لك مشكلة!

- فقال لي:تصور أنها لم تتعطل طوال حياتها معي إلا مرة واحدة.. وفي هذه المرة رزقني الله بضابط مرور يعرفني سحب السيارة إلي مكان أصلاحها.

- ولعل البعض يعجب من هذه الشخصية الزاهدة الفريدة التي لا تجدها إلا في ثلاثة أماكن فقط في المسجد أو في غرفة العمليات أو البيت والذي يعتبر من أكثر الجراحين الإسكندرانية الذي يخدم الفقراء والمساكين بلا حدود ودون اعتبار لأي شيء أخر.

- وما أكثر العمليات الجراحية التي أجراها للفقراء مجاناً أو بأجر زهيد.

- وهو من الجراحين الكبار القلائل اليوم الذي لا يشترط أجراًُ محدداً ويقبل أي أجر مهما كان ضئيلاً.

- وهذا هو الحوار الوحيد الذي أجريته حتى الآن مع ضيف في المسجد.. فقد قال لي حينما هاتفته: يا دكتور ناجح أنا مقصر في مراجعة وردي من القرآن وليس عندي أي وقت ولا أحب أن أتحدث عن نفسي ولم أصنع شيئاً يستحق الحديث أو الظهور في وسائل الإعلام التي أكررها.

- ولكنني أقنعته أن هذا الحوار هو دعوة إلي الله في المقام الأول وتعريف للناس بمأساة ومذبحة غزة.. فوافق على مضض.. وقال: على أن يستغرق الحوار نصف ساعة فقط فقلت:إذا الجزء الأول منه..

- وذهبت إليه فعلاً فوجدته جالساً في مسجد الفاروق عمر يراجع ورده القرآني مع طبيب آخر.. فاستقبلنا بترحاب ومكثنا نتحدث قرابة الساعة أو أكثر وقلوبنا تهفو جميعاً نحو التضحية والبذل والفداء والنصرة ولو كنت تركته على سجيته لاستمر يتحدث دون انقطاع ولكنني احترمت ورده القرآني وعهدي معه فاكتفيت برحلته إلي غزة فقط.

- وعلى غير عادتي فقد بدأت معه الحوار من أخر رحلة طبية وإنسانية ودعوية له.. وهي رحلته مع قافلة نقابة الأطباء بمصر إلي غزة الحبيبة.. وكان الحديث شيقاً وممتعاً ومحزناً مؤلماً في الوقت نفسه.

- ود/ جمال برهامي رغم عدم ممارسته للدعوة الإسلامية في صورها التقليدية مثل شقيقه الأصغر د/ياسر برهامي إلا أنني أرى أنه أكثر من أي داعية آخر تبليغاً لرسائل دعوية عظيمة من الزهد الورع والتفاني وخدمة الآخرين والنصرة.. ومئات الرسائل الدعوية ألآخري التي لا أستطيع حصرها.

- ولعل في مثل هذا الرجل الصالح درس بكل الذين يتوقفون عن الدعوة إلي الله لمجرد منعهم من وسيلة أو وسيلتين من وسائلها العامة.. فهذه الدعوة الصامتة قد تكون أبلغ بكثير من كثير من الخطب الصارخة والكلمات الزاعقة.. فإلي الجزء الأول من حوارنا مع د/ جمال برهامي...

- في البداية نود أن تعطينا فكرة مبسطة عن بطاقتك العائلية؟

- الاسم: جمال الدين حسين برهامي.

- العنوان: مواليد كفر الدوار في 12/1950م.

- المهنة: أستاذ جراحة تجميل الوجه والفكين بكلية الطب جامعة الإسكندرية.

- الحالة الاجتماعية: متزوج من عام 1980م.

- عندي أربعة أولاد.. اثنين ذكور واثنين بنات وهم على الترتيب:

- أحمد وهو طالب ببكالوريوس طب الأزهر بأسيوط.

- ونهى (أم حمزة) وهي متزوجة من دكتور صيدلي.

- وفاطمة في الثالثة ثانوي "أدبي".

- وعبد الرحمن أولى ثانوي.

- هل يمكنك أن تعطينا نبذة مختصرة عن مشوارك العلمي والطبي منذ البداية وحتى الآن؟

- لقد حصلت على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الإسكندرية 1974م بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف.

- ثم حصلت على ماجستير الجراحة 1978م في الجراحة العامة والتجميل وكان موضوع الرسالة عن إصابات الأنسجة الرخوة في الوجه.

- ثم حصلت على بكالوريوس طب الأسنان 1983م حتى أستطيع الإلمام إلماماً جيداً بمنطقة الوجه والفكين التي تخصصت في جراحة التجميل فيها على وجه الخصوص.

- ثم حصلت على الدكتوراه في جراحة الوجه والفكين والتجميل 1984م وكان موضوع الرسالة عن "استخدام العضلة الصدرية مع جزيرة من الجلد فوقها لإصلاح ما نتج عن استئصال الأورام السرطانية من منطقة الوجه والفكين والرأس والعنق".

- رقيت إلي أستاذ مساعد.. ثم أستاذً لجراحة التجميل 1995م.

- كنت أول من أدخل فرع الجراحة الميكروسكوبية في قسم جراحة التجميل بطب الإسكندرية.. وقد تدرب في هذا القسم أجيال على الجراحة الميكروسكوبية وخاصة في إصلاح العيوب الناتجة عن استئصال الأورام الخبيثة التي لا يمكن إصلاحها إلا بالجراحة الميكروسكوبية.

- لماذا اخترت جراحة التجميل بالذات كتخصص دقيق لك؟

- جراحة التجميل ممتازة جداً.. وهي هامة جداً في حياة الناس.. ولا يعرف ذلك سوى المريض الذي يصاب بحروق شديدة تحتاج إلي رقع لإصلاح التشوهات وإعادة الوظائف التي فقدت أو الحركات التي توقفت.. أو الإنسان الذي يولد ابنه بشفة أرنبيه أو عدم التئام شقي الحلق.. فتسبب له الشفة ألأرنبيه مشاكل وظيفية ونفسية لا حصر لها.. أو يؤدي عدم التئام شقي الحلق إلي عدم القدرة على بلع الماء والطعام لأنهما يذهبان إلي تجويف الأنف.

- فضلاً عن الأهمية القصوى لهذه الجراحة بالذات أثناء الحروب.. وكذلك بعد إزالة الأورام الخبيثة.. وأنا احمد الله الذي وفقني لاختيار هذا التخصص المفيد للناس جميعاً.

- على غير المعتاد مع كل ضيوفي..سأبدأ حواري معك اليوم من آخر رحلة قمت بها وهي رحلتك إلي غزة..وذلك لأهميتها من ناحية.. وتشوق القارئ لمعرفة تفاصيل هذه الرحلة من ناحية أخري..فهل يمكنك أن تصحبنا معك في هذه الرحلة وتحكي لنا في البداية كيف ذهبت إلي غزة؟

- لم تكن هذه الرحلة هي أولي رحلاتي لعلاج جرحى الحرب من المسلمين.. وكنت أعلم أن نقابة الأطباء ممثله في لجنة الإغاثة بها تبذل جهوداً حثيثة للتخفيف عن إخواتنا في غزة.. خاصة في المجالات الطبية والإنسانية.

- ولذا فقد كتبت اسمي في النقابة لكي أكون مع أي قافلة طبية تذهب إلي هناك ولعلمي أن تخصص جراحة تجميل الوجه والفكين خاصة والتجميل عامة له أهمية قصوى في حالات الحروب.. كما أن المتخصصين فيه هم قلة ويعدون على أصابع اليدين في مصر.

- وفي أحد الأيام كنت جالساً في المسجد بين المغرب والعشاء فأرسل لي د/ محمد الفحام أستاذ التخدير رسولاً يخبرني أن القافلة الطبية ستتحرك في الساعة السادسة صباح الغد من مبني نقابة الأطباء في القاهرة.. وكان الوقت ضيقاً جداً أمامي للاستعداد لهذه الرحلة.. ولكنني أسرعت بالسفر مباشرة وصليت الفجر بأحدي المساجد بجوار النقابة ثم تحرك الأتوبيس بنا.. وكان فيه مجموعة متنوعة من كافة التخصصات.. حتى أن أحد أساتذة النساء والولادة صمم على الذهاب معنا رغبة في الخير رغم أن حالات الحروب لا تحتاج هذا التخصص.. ولكنه قال: سأساعدكم في أي إصابات تكون في مناطق الرحم وما حوله.. وفعلا ذهب معنا.

- وذهبنا إلي رفح وسمح لنا بدخول المعبر بيسر وسهولة ثم ذهبنا إلي "خان يونس" بغزة مباشرة.

- وماذا فعلتم في مستشفيات "خان يونس"؟

- ذهبنا إلي مستشفى "ناصر بخان يونس"أولاً.. ثم تم توزيعنا على اثنين من المستشفيات.. حيث ذهب 12 طبيباً إلي المستشفى الأوربي وكنت أنا من بينهم.. وبقي الأطباء الآخرون في مستشفى "ناصر".

- وماذا رأيت في المستشفى الأوربي؟

- قبل أن أذهب إلي المستشفى الأوربي بعدة أيام قام الطيران الإسرائيلي بقصف مركز حول المستشفى مما أدى إلي هدم جزء من سور المستشفى.. وقد شاهدت بنفسي بقايا الصاروخ الإسرائيلي حيث سقط على بعد عشرة أمتار فقط من مخزن الوقود الخاص بالمستشفى.. ولو سقط على هذا المخزن لدمر المستشفى بأكملها وأحرق المرضى جميعا..ولكن الله سلم

- وقد كانت الحالات كثيرة في المستشفى الأوربي في تخصصي.. ولكنني انتهيت منها سريعاً.. إذا أنني كنت أواصل الليل بالنهار في غرفة العمليات حتى أنتهى من المرضى في هذه المستشفى وأذهب إلي مستشفيات أخرى. 

- وماذا فعلت بعد أن قاربت على الانتهاء من إجراء العمليات الجراحية لمرضاك في المستشفى الأوربي؟

- بدأت بعدها أذهب بين الحين والآخر إلي مستشفى "ناصر" لأجري عمليات جراحية للحالات التي تحتاج إلي تخصص التجميل.. ثم أعود للمبيت في المستشفى الأوربي.

- ولكن كل أملي كان أن أذهب إلي مستشفى "الشفاء" وهي أكبر مستشفى في غزة.. وفيها عدد من الإصابات الجسمية المعقدة.. والحمد لله تحققت أمنيتي في الذهاب إلي هذا المستشفى العريق.

- كيف تحققت هذه الأمنية في ظل القصف المتواصل لقطاع غزة وقريباً من مستشفى الشفاء؟

- لقد ذهبنا إلي مستشفى الشفاء بعد وقف إطلاق النار.. حيث لم نستطيع الذهاب إليه أثناء القصف.. وهناك رأيت أعقد الحالات وأشدها صعوبة.. رأيت حالات طبية لم أشاهدها طول حياتي الطبية كلها كجراح والتي امتدت لقرابة 35عاماً كاملة.

- لقد رأيت حالات يشيب من رؤيتها الولدان وتقشعر منها الأبدان ولا تمحي أبداً من الذاكرة.

- صف لنا نوعا من هذه الحالات؟

- أول مرة في حياتي في حالات الحروب أري صواريخ تطلق أسطوانات معدنية مشرشرة تخرج بعد اصطدام الصاروخ بالأرض مباشرة.. وهذه الأسطوانات تنتشر في كل مكان بطريقة عجيبة وتقوم ببتر الأقدام فوق الركبتين من الناحيتين.

- وهذا البتر غير معروف في الحروب السابقة فمن المعروف أن الأسلحة القديمة كانت تؤدي إلي البتر تحت الركبة وفي ناحية واحدة عادة.. ولكن هذا الصاروخ أصاب المئات ببتر مزدوج فوق الركبة.. وهذا يجعل المصاب قعيداً طول حياته.. ولا يمكن أخصائي الأطراف الصناعية من عمل طرف صناعي له يتحرك به بعد ذلك.

- وهذه الصواريخ كانت تطلقها الطائرات بدون طيار.. وهذه الطائرات خطيرة جداً وفيها تكنولوجيا متطورة جداً.. ولم يكن أهل غزة يعرفون كيف يتم بتر القدمين بهذه الطريقة.. حتى عثروا على صاروخ لم ينفجر فقاموا بتفكيكه فوجدوا هذه الأسطوانات المعدنية التي تنطلق منه بمجرد اصطدام الصاروخ بالأرض لتقطع أرجل كل الموجودين في مساحة إطلاق الصاروخ بالطريقة التي تحدثنا عنها.

- وكيف استقبلتم في مستشفى الشفاء بغزة؟

- لقد استقبلنا طاقم المستشفى وأهالي المرضى بترحاب كبير جداً.. وهم يعرفون كفاءة الطبيب المصري.. وكذلك يعرفون تماماً مشاعرنا نحوهم كإخوة في الله وفي الإسلام.

- وقالوا لنا: لو لم تعلموا شيئا على الإطلاق فيكفي حضوركم إلي هنا.

- وأنا أرى أن أحداث غزة كانت عبارة عن مذبحة كبيرة للفلسطينيين ومأساة كبيرة لهم.. وملحمة عظيمة أظهرت صبرهم وثباتهم.

- ما هو أكثر شيء رأيته في حالاتك المرضية هناك وأثر في وجدانك وعلق بذهنك ونفسك ولا تنساه أبدً؟

- أصعب شيء رأيته هناك ولم أراه قبل ذلك في حياتي هو العدد الكبير من المصابين بالحروق بالفسفور الأبيض.. وهو خطير جداً.. وعندما يصل هذا الفسفور الأبيض إلي جسم إي إنسان ويتعرض للهواء فإنه يشتعل ذاتياً محدثاً حروقاً فظيعة في الإنسان.. ومصيبة هذا الفسفور الأبيض تكمن في أنه يؤدي إلي نوعين من الحروق:

1- حروق نارية.

2- حروق كيماوية.

- ولا ينطفئ الحرق بالفسفور الأبيض إلا بمواد مثل الدقيق الذي يمنع عنه الهواء تماماً.

- كما أن حروق الفسفور الأبيض كانت تؤدي إلي فشل في العمليات الجراحية التي يجريها الجراحون بالبطن.. وذلك لآن المريض عندما يتحرك أي حركة يشتعل الفسفور من جديد وتفشل العملية الجراحية التي أجراها الأطباء.

- وقد تسبب هذا الفسفور الأبيض في مأساة كبيرة للفلسطينيين لا يعلم مداها إلا الله.. ولا يشعر بهذه المأساة حقيقة إلا أصحابها.

- وكيف كانت المستشفى تعمل في هذه الظروف الصعبة وخاصة في الفترة التي سبقت حضورك أثناء القصف الإسرائيلي لغزة؟- لقد كانت الحالات لا تنقطع عن المستشفى ليلا وً نهاراً وخاصة في فترة القصف الإسرائيلي.. وكانت كلها حالات صعبة ومعقدة.. وكان الأطباء الفلسطينيون يسابقون الزمن.. وكانوا يهتمون بالحفاظ على حياة المرضى أولاً وتأجيل الأشياء الأخرى بعد ذلك.

- وكان هؤلاء الأطباء يعملون في ظروف صعبة وشاقة وعصيبة.. حتى أن بعضهم قال لي: "لقد كنا نجري بعض العمليات الجراحية على الأرض.

- وقد كانت إمكانيات المستشفيات الفلسطينية لا تستوعب هذا الكم الكبير من الحالات المعقدة جداً من الناحية الطبية.

- وماذا فعلت أنت تحديداًفي مستشفى الشفاء بغزة؟

- عندما ذهبت قمت باستلام حالات جراحات التجميل عامة وجراحة تجميل الوجه والفكين خاصة.. وهناك وجدت قصوراً في بعض آلات هذه الجراحة.. فقمت بطلب الآلات الحديثة من النقابة والتي قامت مشكورة بإرسالها لنا بسرعة.

- كما وجد بعض زملائي من أساتذة جراحة العظام والمخ والأعصاب نفس القصور..فطلبوا كذلك آلات لهم من النقابة بمصر مشكورة.. وهذا جهد طيب من هذه النقابة العريقة في خدمة الطب والأطباء والمرضى وكذلك إغاثة المنكوبين في أماكن كثيرة في العالم عامة والإسلامي خاصة.

- ما هي أنواع الحالات التي كنتم تتابعونها هناك؟

- الحالات هناك حالات مأساوية فهي معقدة ومركبة وتحتاج إلي فريق جراحي متكامل من الجراحة العامة والأوعية الدموية والعظام والتجميل.. ويندر أن تجد هذه الحالات في الظروف العادية.

- وما هي نسبة نجاح العمليات الجراحية هناك؟

- رغم كثرة الحالات وقلة الإمكانيات وعمل الأطباء جميعاً لمدة 24ساعة بدون راحة.. إلا أن نتائج العمليات الجراحية كانت أكثر من ممتازة ولم أتخيل شخصياً هذه النتائج الباهرة.. وكنت أتعجب من ارتفاع نسبة نجاح العمليات رغم هذه الظروف المعقدة.

- إلي أي شيء تعزو نجاح العمليات الجراحية في هذه الظروف الطبيعية؟

- أنا أرجع هذا الأمر إلي عدة أسباب أهمها:

1- الروح المعنوية العالية التي كان يتمتع بها المرضي.. فلم أرى في حياتي روحاً معنوية هائلة مثلما رأيت في غزة.. فمثل هذه الحالات في الظروف العادية عادة ما يصبها اليأس والقنوط والإحباط.

2- الإخلاص الشديد من الطاقم الطبي.. فكلهم جاء متطوعا ً دون أجر.. وحينما تفعل شيئاً خالصاَ لله تشعر بلذة عظيمة أعظم بكثير من اللذة التي يشعر بها الطبيب العادي حينما يحصل على أجر مادي كبير.

- كما أن مشاعر كل الطاقم الطبي كانت في أعلى درجاتها الإيمانية.. حيث كنا نقول لأنفسنا كيف يضحى هؤلاء بحياتهم وأسرهم وبيوتهم وأمنهم ولا نضحي نحن بأي شيء.. ولا نقدم لهم شيئاً.. فهذا الذي نقدمه هو أبسط الأشياء للوقوف إلي جوارهم في محنتهم.

3- في هذه المواقف تحدث بركات وكرامات لبعض المرضى لا تحدث للمرضى العاديين.. وذلك لعله بسيطة أن هذا المريض هو مجاهد مقهور مظلوم معتدي عليه.. ولذلك فإن الله يؤيد هذا المريض وينصره ويشفيه ويريه من كرمه وفضله الكثير والكثير مما لا يحدث عادة مع أي مريض عادي.

- بمناسبة ذكرك لمعنويات المرضى العالية.. هل يمكنكم أن تذكروا لنا وللقراء أمثلة واقعية رأيتها هناك للمعنويات العالية للمرضى؟

- من المرضى الذين قابلتهم في غزة ولن أنساهم أبداً طوال حياتي.. رجل اسمه غول أصابه صاروخ انطلق من طائرة بدون طيار فأحدث له بتراً فوق الساقين.. وكان ضمن الحالات التابعة لجراحة التجميل.. وكنت أتحدث معه لأخفف عنه مصابه الجسيم.. فقال لي: يا دكتور جمال.. أقسم بالله العظيم إنني كنت أتمنى أن تكون الإصابة أكثر من ذلك.. وأنا سعيد جداً بهذه الإصابة لأنها في سبيل الله.

- ومريض آخر كانت إصاباته متعددة ومعقده نتيجة صاروخ أطلق من طائرة ف16 الإسرائيلية المتطورة.. وبعد ما تم تخديره وقبل دخوله في التخدير الكامل كان يقول:
لا إله إلا الله.. كلمة الله العليا.
بيقولوا ف16.. هه هه.. دي لعب أطفال..




- ويظل يكرر هذه العبارات التي تعبر عن مشاعره الحقيقية إذا إن هذه المرحلة من التخدير تطلق كوامن النفس الداخلية.

- أنت عشت مع الشعب الفلسطيني في محنة من أكبر المحن قرابة 16يوماً.. ما رأيك في هذا الشعب؟

- الشعب الفلسطيني قوي جداً.. وعنده جلد وصبر كبير.. فرغم كل ما حدث فقد كنت أرى المساجد ممتلئة والمشاعر فياضة بالإيمان واليقين رغم القصف المتواصل ورغم عموم الإظلام في غزة وخان يونس.. وقد حضرت خطبتي جمعة هناك.. وكان جل الحديث فيها عن الصبر والثبات واحتساب الأجر عند الله سبحانه.

- وماذا فعلت بعد انتهاء حالاتك في مستشفى الشفاء بغزة؟- قبل أن انتهي من كل حالاتي في مستشفى الشفاء بغزة طلبوا مني الذهاب إلي المستشفى الأهلي في غزة لمتابعة حالات التجميل هناك.. وذلك لأن زميلي هناك حدث له طارئ اضطره للسفر والعودة إلي مصر.. فذهبت إلي هناك واستلمت منه الحالات الخاصة بجراحة التجميل.. وبذلك أصبحت أعمل في مستشفى الشفاء صباحاً وفي المستشفى الأهلي مساءاً وكانوا يوصلونني بسيارة كل يوم. 

- لم نسمع عن هذا المستشفى أبداً في الأحداث؟

- لأنه أصغر بكثير من مستشفى الشفاء.. ولكنه قديم جداً.. إذ أنه بني سنة 1917م أثناء الاحتلال البريطاني لغزة.. وفيه كنيسة صغيرة.. ولها جرس يدق لاستدعاء الأطباء عند الطوارئ.

- إذا هي مثل مستشفى جمال عبد الناصر في الإسكندرية.. لأنها في الأصل بنيت أثناء الاحتلال الانجليزي لمصر وكان يمتلكها إيطاليون تقريباً.. ومازالت فيها كنيسة صغيرة غير مستعملة حتى الآن.. وفيها حدائق رائعة منذ ذلك الوقت؟

- أنا لا أعرف هذه المعلومة.. ولكن يبدو أن معظم هذه المستشفيات كانت تبنيها مؤسسات خيرية ذات طابع تبشيري في أوائل التسعينات أيام الاحتلال الانجليزي والفرنسي ثم جرى تأميمها بعد ذلك.

- ما رأيك في كفاءة الطبيب الفلسطيني؟

- كفاءته العقلية جيدة.. ولكنه يحتاج للتدريب في الخارج كثيراً.. ونظراً للحصار المفروض عليهم فهم لا يحضرون أية مؤتمرات طبية عالمية.. والطبيب لن يكون ممتازاً ومتطوراً إلا بالاحتكاك بأطباء العالم باستمرار.. والتدريب على كل جديد في الطب الذي يتميز عن غيره بأن فيه جديداً كل يوم.

- المريض الفلسطيني في غزة كان يفضل من في علاجه.. الطبيب المصري أم الفلسطيني؟

- كل المرضى الفلسطينيين الذين تعاملت معهم كانوا يفضلون الطبيب المصري.. وكان يطلبون ذلك منا صراحة.. ويقولون لي: نريدك أن تجري لابننا العملية.

- ما هو السبب في ذلك؟

- السبب الأول: هو كفاءة الطبيب المصري المعروفة لديهم 

- أما السبب الثاني: هو أننا كنا أكثر رقة في التعامل معهم وأكثر عطفاً عليهم ورفقاً بهم من الطبيب الفلسطيني الذي مر بفترات عصيبة جداً.. وظل يعمل في هذه الظروف المعقدة ليل نهار بلا انقطاع وهو في الوقت نفسه غير آمن على أسرته وأهله بل ونفسه فأصيب بقدر هائل من التوتر والانشغال الذهني الذي عاقه كثيرا ً عن الاهتمام بالرفق بمرضاه 

- أما نحن فقد جئنا من مصر في حالة استرخاء نفسي وبدني ومكثنا فقط16يوماً.. ولو كنا مكانهم فقد كان يمكن أن يصيبنا التوتر والإرهاق الذهني والبدني أكثر منهم.. فالحرب ليست سهلة على من عاش في خضمها ولهيبها.

- ماذا كان شعور المريض الفلسطيني نحوك بعد أن تتحسن حالته؟

- كانوا سعداء.. وكانوا يشكروننا كثيراً.. وقد أهدوني هدايا بسيطة ولكنها جميلة وعزيزة على نفسي.. فبعضهم أعطاني ميدالية وبعضهم أعطاني سبحة.. وما شابه ذلك تعبيراً عن شكرهم وامتنانهم.. وكانوا يعتذرون عن بساطة الهدايا نظراً لظروفهم العصيبة.

- ألم تكن هناك هيئات إغاثية أخرى أجنبية؟- نعم كانت هناك هيئات إغاثية أجنبية تعمل في غزة.. وكان فيها أطباء أجانب.. رأيت منهم أطباء فرنسيين وروس وغيرهم.

- ما رأيك في كفاءة وعمل هؤلاء الأطباء؟ 

- هؤلاء الأطباء كانت كفاءتهم بسيطة ومتواضعة بالنسبة للأطباء المصريين.. ومعظم هؤلاء جاءوا للتدريب ولم يكونوا على المستوى اللائق بهذه الحالات المعقدة الصعبة.

- وأنا متخصص في حالات الحروب بالذات وأعرف الطبيب المتخصص فيها من أول عملية جراحية أراه فيها.. وأنا رأيت مستوى هؤلاء فوجدته ضعيفاً جداً.. ولم يأت من هذه البلاد الأطباء العظام المتمكنين من علاج هذه الحالات.

- هل تضرب لنا مثالاً على ذلك؟

- كانت هناك فتاة مصابة بإصابات مختلفة منها كسر مضاعف في الفك وحروق في الوجه وعندها كسور في الذراع وحروق شديدة فيه مع تهتك في الأنسجة.. فكنت بسبب تخصصي أتابع علاج منطقة الوجه والفكين.

- وكان هناك طبيب فرنسي يعالج الكسور والحروق.. فوجدت أن هذا الطبيب يعمل في الأصابع قبل أن يهتم بالأساس الأصلي وهو تثبيت العظام في الذراع وإصلاح الشرايين وهذا خطأ جراحي كبير.. فالجراحة لها أسس وأصول عالمية ثابتة تتلخص في:

- أولاً: تثبيت العظام. 

- ثانياً: إصلاح الشرايين والأوردة والأعصاب في الساعد. 

- وأخيراً الاهتمام بإصلاح أي تهتكات في اليد.. ولو عكست هذا الترتيب كما فعل الجراح الفرنسي سيفشل كل شيء وقد يؤدي ذلك إلي بتر الذراع بأكمله.

- وماذا فعلت حينما رأيت الجراح الفرنسي يفعل ذلك؟

- لقد اعترضت بشدة على ما يفعل.. وشعرت أنه ضعيف جداً في الجراحة.. وقلت له بحدة: 

- عليك أولاً أن تجري تثبيتاً خارجياً للعظام.. وأن ما تفعله خطأ جراحي جسيم.. ولكنه غضب من كلامي.

- فقلت له: أنت فاكر أنك هنا لتعلم الناس.. أنت تحتاج إلي من يعلمك أولاً.

- ولما اشتد الخلاف بيننا تدخل بعض زملائي المصرين وقالوا لي:

يا دكتور جمال.. أتركه يتابع عمله في تخصصه وأنت اهتم بالوجه والفكين.. ولكن في النهاية هذه الفتاة توفيت.. "وإنا لله وإنا إليه راجعون".

- وكان هناك جراح روسي معنا رأيت مستواه ضعيفاً جداً ويخطأ في بديهيات جراحة العظام وخاصة في طريقة تثبيت العظام.

- وما هي قصة ذلك الجراح الروسي؟

- كان هناك شاب عمره 16 عاماً وكان مصاباً بشظية وتهتك في العظام.. وكان يتابع علاجه جراح روسي.. وكان هذا الجراح يريد تقصير الذراع لتقريب الأنسجة من بعضها حتى تلتئم.. فقلت له: هذا خطأ كبير.. ولا تقصر الذراع حتى لا يضار المريض.. وقلت له نبدأ بالتثبيت الخارجي للعظام أولاً.. ثم نحاول علاج الأنسجة المتهتكة بعد ذلك.. وفعلاً صنعنا ذلك.. وتحسنت الحالة تحسناً كبيراً دون اللجوء إلي تقصير الذراع.

- ما هي أشد حالة طبية ومأساوية رأيتها هناك؟

- أشد حالة رأيتها في حياتي كلها رأيتها هناك في غزة.. حيث جاءنا رجل كان يجمع أغراضه وحاجياته لترك منزله فأصابه صاروخ من طائرة بدون طيار.. فتحول إلي شيء عجيب لم أر مثله من قبل طوال حياتي.. فكأنه دخل مفرمة فرمته.. فكسرت الفقرات العنقية وأصبح وجهه للخلف بدلاً من الأمام.. وكل شيء فيه كأنه فرم في مفرمة.. وهذا الرجل توفى على الفور ولكنني لا أستطيع نسيان حالته.

- هل انتهيت من علاج كل حالات التجميل هناك؟

- نعم.. قد انتهيت قبل مغادرتي لغزة من كل حالات الجراحة التجميل وذلك لأنني كنت أعرف قيمة الوقت.. فكنت أواصل الليل بالنهار في غرفة العمليات حتى انتهيت من علاج كل الحالات.. حتى أنني عملت بعض عمليات جراحات التجميل العادية التي لا علاقة لها بالحرب.

- كيف عدت إلي مصر؟

- لقد استدعينا من قبل الدولة وقالوا لنا: لقد أديتم واجبكم فارجعوا.. فعدنا ونحن في حزن شديد لأننا كنا أن نريد أن نعطي أكثر من ذلك ونخدم إخواننا لمدة أطول.

- وماذا كان شعورك وأنت عائد إلي وطنك مصر؟

- لقد كنت سعيداً جداً بتوفيق الله لي أن مكنني من أن أصنع شيئاً بسيطاً لخدمة إخواني في غزة.. وقد شعرت هناك بمعنى النصرة بمعناها الحقيقي كما جاء في الحديث الشريف "المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه".

- ألم تفكر في تقديم خدمة دائمة للشعب الفلسطيني وخاصة في مجال جراحة التجميل؟

- لقد فكرت في ذلك فعلاً.. وتعاقدت مع إحدى كليات الطب الخاصة في غزة لتدريس مادة جراحة التجميل فيها.. وتدريب أكبر عدد من الأطباء على الجراحة الميكروسكوبية خاصة وجراحة تجميل الوجه والفكين خاصة.. ولكن إدارة الجامعة في مصر رفضت هذا التعاقد مما اضطرني إلي العودة وعدم إنقاذ هذا العقد.

- وإلى هنا ينتهي الجزء الأول من حوارنا الإيماني والحزين في الوقت نفسه مع د/ جمال برهامي والذي تناولنا فيه رحلته إلي غزة كاملة ونسأل الله أن يوفقنا لمزيد من الحوارات الإيمانية معه


جنرالات مصر ورأس المال العابر للحدود: دراسة تستحق القراءة

Ashraf Ghoniem

جنرالات مصر ورأس المال العابر للحدود: دراسة تستحق القراءة





قبل ان يطرد حسني مبارك من منصبه، وبعد ذلك ايضاً، ظل حجم حصة الجيش المصري في الاقتصاد موضع جدلٍ كبير. فمن المعروف أن الجيش يشارك في تصنيع كل شئ، ابتداءاً من زيت الزيتون وتلميع الأحذية، وانتهاءاً بمراكز الاقتراع، التي استخدمت في الانتخابات البرلمانية المصرية لعام 2011، ولكن لا أحد يعلم (على وجه اليقين) مدى سيطرة الصناعات العسكرية على اقتصاد البلاد. وقد نقلت تقارير اخبارية أن أحد "الخبراء" يقدرها على مستوى الخريطة بحوالي من خمسة بالمئة الى أربعين بالمئة أو أكثر. فيما أشار وزير التجارة السابق، رشيد محمد رشيد، الموجود حالياً في المنفى، مدفوعاً إلى مغامرةٍ تخمينية من قبل صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أنها "أقل من عشرة بالمئة“ (1). وأفادت مجموعة واسعة من الشخصيات باستحالة قياس أثر ما أسماه الباحث روبرت سبرنجبورج "الشركة العسكرية" (2)، حيث لا يقتصر الأمر على تصنيف ممتلكات الجيش باعتبارها من أسرار الدولة – فقد يسجن الصحفيون في حالة تقديم تقارير عنها - وإنما أيضاً لتوسعها وتشعبها، ولا يمكن الوثوق بشكل كامل في أي تقديرلها.

تتمثل مصالح الجيش التجارية في أقدم المصانع التي تديرها وزارة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع (AOI)، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية (NSPO). كما يشرف الجيش على العديد من الشركات التابعة للشركات القابضة المملوكة للدولة، ويملك أسهماً في مشاريع القطاعين العام والخاص. في كثير من الحالات، تعتبر هذه العمليات الصغيرة جزء لا يتجزأ من مجموعات الشركات العابرة للقارات، والتي تشمل قطاعات اقتصادية عدة، من البناء والشحن البحري إلى تصنيع الأسلحة.

كان ضباط الجيش رفيعي المستوى في السابق، هم أمناء "التصنيع باستبدال الواردات"، وغيرها من سياسات الدولة التي كان ينتهجها الرئيس جمال عبد الناصر. تقليدياً، يُعتقد أن الجيش المصري يسعى لدعم موروثات عهد عبد الناصر المتمثلة في القطاع العام كبير الحجم، والسياسات التجارية الدفاعية. وقد عززت انتفاضة 2011 هذا الاعتقاد، ولا سيما بعد طرد جمال مبارك والمحيطين به، باعتبارهم العقول المدبرة للإصلاح العدواني النيوليبرالي الذي نُفذ في إطار رئاسة أحمد نظيف لمجلس الوزراء خلال الفترة (2004-2010) ولربما قام هذا البرنامج، في حال استمراره، بتفكيك آخر مؤسسات القطاع العام في مصر، والتي يقوم الجيش بتسيير أعمال الكثير منها. ويعتقد كذلك، أن الجيش قد طرد جمال جزئياً من أجل الحفاظ على هذه العمليات. وقد أبرق مسؤولون أمريكيون هذا التحليل قبل سنوات: في إحدى برقيات وزارة الخارجية بتاريخ سبتمبر 2008 التي نشرتها ويكيليكس، دعت (مارغريت سكوبي) سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر آنذاك، التكتلات العسكرية بأنها "شبه تجارية"، وخلصت إلى أنه كان ينظر إلى خطط الحكومة للخصخصة بإعتبارها "تهديداً لموقف [الجيش] الاقتصادي"، وأن الجيش "يعارض بشكل عام الإصلاحات الاقتصادية". وقد قدم (فرانك ريتشاردوني) السابق لسكوبي، حجة مماثلة في برقية بتاريخ مارس 2008:" يعتقد (المشير حسين) طنطاوي أن خطة مصر للإصلاح الاقتصادي تعزز عدم الاستقرار الاجتماعي من خلال تقليل رقابة (الحكومة) على الأسعار والإنتاج".

منذ الإطاحة بعائلة مبارك في فبراير2011، حاولت الولايات المتحدة دفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة (SCAF)، باعتباره حاكم مصر بحكم الواقع، إلى شيء من قبيل السير في طريق جمال مبارك. حيث ادعى الرئيس باراك أوباما، في خطابه بتاريخ 19 مايو 2011 حول منطقة الشرق الأوسط: أن الولايات المتحدة قد طلبت بالفعل من صندوق النقد والبنك الدوليين وضع خطة لتحقيق الاستقرار وتحديث الاقتصاد المصري. وقال أوباما ايضاً: إن الولايات المتحدة شطبت مليار دولار من الديون المصرية، وسوف "نعمل مع شركائنا المصريين لاستثمار هذه الموارد لتعزيز النمو وروح المبادرة." ومع ذلك، ونتيجةً للضغط الاجتماعي، رفض المجلس العسكري حزمة قروض صندوق النقد الدولي الأولى، مما أثار قلق العديد من المراقبين من عودة مصر إلى نموذج إقتصادي تكون السيطرة الكبرى فيه للدولة.

ولكن، التصرفات اللاحقة للمجلس العسكري تشير إلى عدم دقة تلك المخاوف. حيث بدا الجيش شديد الحرص على تأديب العمال المضربين، في حين لم يستجب المجلس العسكري بشكل سريع لوضع مشاريع قوانين الحد الأدنى والأقصى للأجور، وإضفاء الشرعية على النقابات العمالية المستقلة. ويمكن أيضاً أن ينظر إلى هذه التحركات بإعتبارها استحضاراً لروح عبد الناصر، الذي اعتقل بنفسه قادة الإضراب بعد أقل من شهرين من الانقلاب الذي أوصله إلى منصبه، إلا أن الجيش لم يقرن هذه الحملة مع غيرها من التدابير التي أثنى عليها كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وأصدر حكام مصر العسكريين المؤقتين شرائح من سندات الخزينة المقيّمة بالدولار للوقاية من التضخم، وطمأنة المستثمرين، على سبيل المثال، ورفضوا رفع سقف ديون مصر. كما تم استبدال وزير المالية سمير رضوان - وهو أحد أركان الحزب الوطني القديم الذي كان قد طرح ميزانية توسعية تزيد من النفقات الاجتماعية والأجور - بحازم الببلاوي، أحد المدافعين الأقوياء عن السوق الحرة الليبرالية، و"ترشيد" دعم الدولة على المواد الغذائية. ويقال إن المجلس العسكري دبر أزمة نقص الوقود والتأخير في تسليم البنزين، (حتى في محطات غاز الوطنية التابعة للجيش نفسه لتوطين الجمهور على خفض الدعم على الوقود). وأخيراً، في ديسمبر، وافق المجلس العسكري "على مضض" على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. ومن المقرر أن تصرف تلك الأموال في وقت قريب من نفاد احتياطيات العملة بالبنك المركزي المصري، لتفادي كارثة اقتصادية وإعطاء الفضل إلى الجيش. في الوقت نفسه، فقد حابى المجلس العسكري اللاعبين السياسيين الذين يرون مصلحة مصر مماثلة لرؤية هؤلاء المخططين الاقتصاديين للجيش. فيُكافئ القابلين لهذا المنطق، بدخول مؤسسات الدولة المعاد تشكيلها. في حين يتم التهكم من الأصوات الرافضة لهذه الرؤية، مثل المنظمات العمالية المستقلة والتظاهرات من أجل العدالة الاجتماعية، باعتبارها فئوية - انقسامية وضيقة.( 3).

يبدو واضحاً، فيما مضى: أنه في الوقت الذي قاوم فيه التجمع الصناعي العسكري الخصخصة التي انتهجتها حكومة أحمد نظيف، فقد استندت هذه المقاومة على اثنين من المخاوف، أولاً: أن العمليات العسكرية ستكون التالية على لوح الفرم، وثانياً: أنه سوف تتمكن قلة من القطاع الخاص المقربة من جمال من حجب الشركة العسكرية في الاقتصاد السياسي في مصر. كانت مناقصات الخصخصة هي السلع المستثناة، وقد حصل الأصدقاء المقربون من جمال على المزيد منها، في حين ما زال الأقل للشركات العسكرية، التي حرصت جاهدة للحصول عليها.

الآن، وبعد عام من تولي المجلس العسكري السلطة التنفيذية، واجه العديد من المقربين لجمال التحقيق أو البقاء في المنفى، ويبدو أن المسار الاقتصادي لمصرشبيهاً بعام (2010). ولم يعد التكنوقراط المنعمون يأمرون المصريين بالتخلي عن أجور المعيشة، وظروف العمل الآمنة والمساءلة السياسية سعياً لتحقيق "النمو الاقتصادي". ولكن، يردد الضباط (أصحاب الرداء الكاكي) الحجة القائلة، بأن العدالة الاجتماعية لا بد أن تنتظر، متهمين المطالبين بها بإخافة السياح والمستثمرين الأجانب. ولايزال القرب من السلطة السياسية هو الطريق الأساسي للامتيازات الاقتصادية، كما لاتزال الدوائر التقليدية للدولة المتدخلة - موظفي الدولة، والفلاحين وفقراء المدن – على الهامش. جنباً إلى جنب مع رأس المال العابر للحدود، ويسعى الجيش لاحتكار الأسواق حتى وإن كان يتحدث عن السوق الحرة بإعتبارها الدواء. وربما تقوم الشركة العسكرية مقام آل مبارك بشكل أفضل: مع خروج الحلفاء الرأسماليين المحسوبين على جمال من الطريق، لم يعد هناك أي منافس من ذوي الطموحات المتوازية مع شهية الجيش للتوسع الاقتصادي.

توسيع المحفظة الإستثمارية

بدأ الجيش المصري يتغلغل في القطاع الخاص منذ حوالي عقدين من الزمن، على الرغم من نزعته الناصرية. ومن المعروف تفوق الشركات العسكرية في صناعة الأسلحة الحربية، وعلى الرغم من صغر السوق الخارجية من الناحية التاريخية، يتواصل تصنيع أنظمة السلاح من خلال خطوط تجميع الجيش بمعدلات تزيد حتى على ما تستطيع أن تستوعبه دولة بوليسية قوية من تضخمٍ لمخزون المستودعات. حيث تعتقد بعض الشركات المصنعة للأسلحة أن "التصدير هو مستقبلنا" (4)، ولكن تقليل المخاطر يفرض على الجيش تنويع العمليات الاقتصادية لمحفظته.
وعليه فقد دشنت الشركة العسكرية، مشاريع في قطاعات مختلفة من النقل البحري إلى النفط والغاز والطاقة المتجددة. خلافاً لسمعة الجيش باعتباره من ركائز الحمائية، تصنف مشاريعه بالتعاونية حيث تضم شركاء من تكتلات الخليج، فضلاً عن الشركات متعددة الجنسيات الغربية والآسيوية. على شاكلة أقطاب القطاع الخاص المدنية في مصر، يستغل كبار الضباط نفوذهم السياسي، وامتيازاتهم التي تمكنهم من الوصول إلى المدخولات الاقتصادية التي تجذب المستثمرين الأجانب ذوي التدفقات المالية واتفاقيات نقل التكنولوجيا التي تدعم الميزانية العامة. ويبدو أن استراتيجية الاستثمار العسكرية تجني فوائد جمة: فلم يكتف المجلس العسكري فقط "بإقراض" البنك المركزي المصري مليار دولار في شهر ديسمبر وحسب، لكنه تمكن أيضاً من صرف مكافآت شهرية كبيرة للصف الثاني من أفراد الجيش تعادل 400 دولار منذ بدء الانتفاضة ضد مبارك(5).

وكان الجيش قد شرع في تنويع استثماراته قبل الانتفاضة بمدة طويلة، من خلال التوسع في قطاعات مثل: التطوير العقاري وتأجير المعدات الثقيلة، حيث توفر له أرصدته الهائلة من أراض وبنية تحتية ورأس المال مزايا كبيرة، بالإضافة إلى الشركات المملوكة للقطاع الخاص والتي تشكل ما أصبح يعرف باسم "الاقتصاد العسكري". اغتنمت مخالب الجيش أيضاً، حصص كبيرة من القطاع العام المدني كجزء من عملية "الخصخصة" في 1990 . فعلى سبيل المثال، سلمت شركة ترسانة الاسكندرية إلى وزارة الدفاع في أغسطس 2007، وهي تنتج الآن السفن التجارية الكبيرة والسفن الحربية، وتقدم خدمات التصليح لشركات الشحن الخاصة. وبالمثل، تملك الآن الهيئة العربية للتصنيع التي يسيطر عليها الجيش مئة بالمئة من مصنع مهمات السكك الحديدية "سيماف" الذي عرض في البداية للخصخصة عام 2002. ولكن، تمكنت الاستثمارات المشتركة مع الشركات الخليجية والشركات المتعددة الجنسية التابعة من إعطاء دفعة غير مسبوقة لمشروع تنويع استثمارات الجيش.

أثبتت مجموعة محمد عبد المحسن الخرافي الكويتية وأولاده - التي احتل مؤسسها المركز السابع على قائمة الأثرياء لعام 2010 في مجلة أرابيان بيزنس (الأعمال العربية)- حرصها على الشراكة بشكل خاص. حيث انضمت ومنذ عام 2001، إلى عدد من مشاريع الجيش المصري، بما في ذلك الشركة العربية لصناعة الكمبيوتر، المنتج الأوحد لأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في مصر، والتي يملك الخرافي 71 بالمئة من أسهمها في حين تملك كل من وزارة الإنتاج الحربي والهيئة التابعة لها 5 بالمئة لكل منهما. وبدأت الشركة التي اعتمدت على الشركة التايوانية (AOPEN) من أجل مدخلات التكنولوجيا، برأس المال يقدر 140 مليون دولار وتنتج 750000 جهاز كمبيوتر سنوياً (6) تسيطر الخرافي، عن طريق شركة تابعة، على نحو 60 بالمئة من الشركة العالمية لصناعة المواسير، والتي تمتلك وزارة الإنتاج الحربي 10 بالمئة منها. تعد هذه الشركة أكبر منتج لأنابيب النفط والغاز في المنطقة، حيث سجلت مبيعات بحوالي 104 مليون دولار في عام 2008، كما وصفها الوزير السابق للإنتاج الحربي، سيد مشعل، بأنها "نموذج للتعاون" بين الدولة والقطاع الخاص (7). أدار الجيش والخرافي أيضاً، عملية تسمى (Maxalto)، والتي تعتمد على تكنولوجيا من الشركة الألمانية (شلمبرجير) لتصنيع البطاقات الذكية. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد عدد من المشاريع المشتركة بين الشركات التابعة لمجموعة الخرافي وأقسام من الشركات القابضة المملوكة للدولة التي ينظر إليها على نطاق واسع بأنها تحت رعاية الجيش.

المشاريع المشتركة

يتميز الجيش المصري بقدرته على جذب شركاء الاستثمار الأجنبي بشكلٍ جيد. وذلك لأن جزءاً كبيراً من القطاعات الاقتصادية التي يسيطر عليها بشكلٍ قوي، هي أيضاً تلك التي لديها امكانيات كبيرة للربح. تشمل هذه القطاعات النقل البحري والجوي والنفط والغاز، والمشاريع البيئية الصناعية مثل معالجة مياه الصرف الصحي وتوليد الطاقة المتجددة. وقد واصلت القوات العسكرية المصرية بنشاط الشراكات مع شركات الخارج في كل من هذه القطاعات، في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المقام الأول، وهي آلية لاقتصاديات التنمية تلبي أيضا قيود مخططي السياسات النيوليبرالية. فسهّل اجتماع كل من الضخ الكبير لرأس المال من البنوك المملوكة للدولة، إلى جانب قروض المؤسسات المالية الدولية وتكثيف الخصخصة في أثناء رئاسة أحمد نظيف لمجلس الوزراء، الجهود التي يبذلها الجيش لإقامة مشاريع مشتركة مع الشركات خليجية والشركات الأجنبية متعددة الجنسيات.

تاريخياً، تمكّن الجيش (في كثير من الأحيان) من إثبات أهمية دوره في الاقتصاد من خلال تسليط الضوء على الطبيعة الاستراتيجية لبعض القطاعات، مثل النقل البحري، الذي ظل في مأمن من ضرورات الخصخصة لفترة طويلة. ففي أواخر (1990) قام وزير قطاع الأعمال العامة "عاطف عبيد" بقصر الخصخصة على 10 بالمئة فقط من أسهم شركات النقل البحري، بعد أن كشف السفير الإسرائيلي عن رغبة الشركات الإسرائيلية في شراء واحدة من شركات الشحن والتفريغ المملوكة للدولة في مصر(والتي يديرها الجيش على الأرجح). ووسط الاعتقادات بتعمد المالكين الإسرائيليين منع مصر في الحصول على التكنولوجيا الجديدة من أجل الإبقاء عليها كدولة متخلفة، تمكن الجيش من طرح نفسه كضامن للأصول الوطنية الحيوية. وفي النهاية، قررت الحكومة تأجيل خصخصة النقل البحري تماماً(8). ولكن، ذلك قد أدى الى تجدد الضغوط من أعضاء منظمة التجارة العالمية بالتوازي مع مصالح الشحن الرئيسية لاعتماد الحكومة للخطة الرئيسية (2001-2017) لتوسيع نطاق تحرير الأنشطة البحرية. وشملت هذه الخطة تنفيذ "نموذج المالك"، حيث تؤدي شركات القطاع الخاص الكثير من وظائف الميناء، بشرط أن تبقى تحت إشراف كيان "مستقل" (ولكن لا يزال الميناء مملوكاً للدولة)، حيث يهدف ذلك إلى تحقيق الربح (9). وبحلول منتصف العقد، عانت الموانئ في مصر مما أسماه تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية لعام 2008 "بالتدافع للاستثمار" والذي شمل استثمارات جديدة وافرة من أكبر أربعة تكتلات في العالم البحري: الدنماركية (مولر ميرسك)، والفرنسية (CMA CGM)، (كوسكو باسيفيك) والشركة القابضة لموانئ (هوتشيسون)، وكلاهما من هونغ كونغ. وعلى الرغم من تملك هذه الشركات العالمية الآن غالبية الأسهم في شركات النقل البحري المصري، تمكن الجيش من تأمين حصص قليلة مهمة، فضلاً عن الوظائف التنفيذية العليا، من خلال الشركة القابضة للنقل البحري والبري المملوكة للدولة في المقام الأول، ومختلف سلطات الموانئ ووزارة النقل البحري، التي يعمل بها العديد من ضباط البحرية وغيرهم من الضباط. (تسيطر الشركة العسكرية أيضاً على مؤسسات شبه حكومية أخرى معنية بالملاحة البحرية، مثل الإتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية، التي يرأسها اللواء حاتم القاضي).

تمثّل هذه المشاريع المشتركة عشرات المليارات من الدولارات من استثمارات الشركات الاجنبية، وبنوك الدولة والمقرضين الدوليين، وحتى الحصة القليلة للجيش في هذه الشركات تعتبر من الأصول الأساسية. ويشمل مشغلو الميناء الجديد شركة دمياط الدولية للموانئ، والتي تملك كل من الشركات الفرنسية، والكويتية والصينية الخاصة مجتمعة 70 بالمئة منها جنباً إلى جنب مع نصيب غير معروف لشركة الملاحة العربية المتحدة (وهو مشروع مشترك 50-50 تقريباً بين الشركة القابضة التي يسيطر عليها الجيش والحكومة الكويتية) بالإضافة إلى نسبة 5 بالمئة لهيئة ميناء دمياط، التي يرأسها أيضا ضابط عسكري (10). وبالمثل، تملك هيئة قناة السويس (التي يرأسها اللواء علي أحمد الفاضل ) 12 بالمئة من الأسهم في شركة قناة السويس للحاويات، التي بدأت عملياتها في عام 2004، ومن المساهمين فيها أيضا شركة ميرسك وكوسكو باسيفيك.

من المشاريع المشتركة الكبرى أيضاً، شركة اسكندرية لمحطات الحاويات الدولية، التي يملكها بالأغلبية كل من (هاتشيسون) القابضة للموانئ من هونج كونج وصندوق الملكية الخاصة القائم بالإمارات العربية المتحدة. وقد اُفتتح المشروع عندما كان اللواء عبد السلام محجوب محافظاً للإسكندرية، وهو ضابط سابق في المخابرات وأصبح مدافعاً صاخباً عن التنسيق بين الدولة والقطاع الخاص بعد تعيينه في أواخر 1990، وكان الاتفاق الذي وقعه محجوب والغرفة التجارية المحلية الأداة الرئيسية لهذا التعاون، مما أعطى رجال الأعمال امتيازات كبيرة ( بما في ذلك حرية الوصول إلى الأراضي لأغراض التنمية التجارية )، في مقابل جزء من أرباحهم، والتي كانت مودعة في الحساب الخاص لتنمية المدينة مما سمح للمحافظة بتجنب إرسال عائداتها الضريبية إلى القاهرة(11). في هذه الحالة أيضاً، حافظت المصالح العسكرية على ملكيتها لـ 5 بالمئة من خلال هيئة ميناء الإسكندرية. وأشاد رئيس هيئة الميناء، اللواء محمد يوسف، بإدخال مصالح الشحن الأجنبية، مشيراً إلى أن سياسة الحكومة "لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال الشراكة مع الشركات متعددة الجنسيات" سوف تفيد قطاع النقل من خلال نقل الخبرة "وأفضل الممارسات " في مجال الإدارة ، فضلاً عن إدخال التكنولوجيا الجديدة والمزيد من حركة الحاويات(12).

تملك سلطات الموانئ المختلفة أسهماً في مشاريع البنية التحتية البحرية الفردية والقطاعات التكميلية (مثل التأمين على الشحن) جنباً إلى جنب مع المستثمرين الأجانب. من هذه المشاريع صفقة تجميع حفار مع مجموعة شركات (دامن) الهولندية، والآخر هو قناة السويس للتأمين، التي يملك أغلبيتها الآن صندوق الاستثمار المشترك الصيني- المصري، واستثمارات الواحة الخضراء. ويستفيد الجيش بشكلٍ رائع من هذا التدفق من المعدات والاستثمار والتكنولوجيا، حيث أنه لا يسيطر فقط على حصص في كل من الشركات المشتركة والشركات المملوكة للدولة المنافسة لها، ولكنه يسيطر أيضاً بشكل كبير على الصناعات المرتبطة بها. على سبيل المثال، يوفر الجيش (عن طريق المصنع المذكور لمهمات السكك الحديدية "سيماف") الكثير من المعدات واليد العاملة لبناء السكك الحديدية في مصر، والتي يجري توسيعها من أجل ربط محطات الموانيء البحرية الجديدة مع شبكات السكك الحديدية الداخلية، والتي بدورها سوف تزيد من حجم العمل للعاملين بمشروع الميناء المشترك. يفسر أيضا حجم أرباح الشركة العسكرية من القطاع البحري درجة العنف التي يتعرض لها المضربون وغيرهم من المحتجين حول الموانئ المصرية، والتي أدرجت في كثير من الأحيان في "المناطق الاقتصادية الخاصة" حيث تكون القوانين في أدناها مع ارتفاع الحوافز الضريبية.

البتروكيماويات ومصادر الطاقة المتجددة

في السنوات العشر الماضية، تضاعف حجم احتياطي الغاز الطبيعي في مصر من 36 إلى 76 تريليون قدم مكعب، وفي الفترة 2009-2010، وصلت الاحتياطيات المؤكدة من النفط إلى أعلى مستوياتها على الاطلاق(13). وقد أثارت هذه الإكتشافات ارتفاعاً كبيراً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث وقعّت مصر 176 اتفاق نفط وغاز بين عامي (1999 و 2010)، ولكن تم إلغاء أكثر من نصفها فقط في السنتين الأخيرتين من هذا العقد(14). ويمثل قطاع البترول (بما في ذلك التجهيز الأولي) ما يقرب من نصف عائدات تصدير الدولة.

بالتوازي مع النقل البحري، يتمركز الجيش بشكل جيد للاستفادة من الاستثمارات الاجنبية في قطاع الطاقة في مصر، حيث يمارس قدراً من الرقابة الرسمية مماثلاً لوزارة البترول. ويملك الجيش حصصاً في شركة ثروة للبترول، الشركة الوحيدة المملوكة للدولة التي تشارك في أنشطة التنقيب والتطوير. للشركة العديد من المشاريع المشتركة مع الشركات الأجنبية، منها سينو ثروة (عملية حفر مع سينوبك المملوكة للدولة في الصين)؛ ثروة بريدا للخدمات البترولية وشركة ثيكة البترولية (مشاريع مشتركة مع الشركات الايطالية بريدا وايني، على التوالي)، والشركة المصرية- الصينية البترولية لتصنيع وحدات حفر الآبار (ائتلاف تجاري من بتروجيت، ثروة وانبي المصرية وسيتشوان هونغوا لمعدات البترول). تعد الصين وإيطاليا أيضاً من الدول الرئيسية في مجال النقل البحري، حيث يتم تفريغ معظم الصادرات الصينية المتجهة الى أوروبا في ميناء بجنوب إيطاليا في جيويا تاورو. وبالتالي تمثل زيادة حركة المرور المتوجهة الى إيطاليا عبر قناة السويس مصدراً كبيراً للدخل بالنسبة للعسكريين. وفي عام 2000 وقعّت الحكومات الثلاث على اتفاق يهدف الى تيسير حركة المرور عبر القناة، وقد أفاد مسؤولون من هيئة قناة السويس، أنه يمكن تشجيعها من خلال المزيد من "الحوافز الجمركية" التي تمنحها وزارة المالية، وفقا لبرقية وزارة الخارجية المسربة من ويكيليكس.

وقد عقدت الشركات الأجنبية أيضاً، شراكات مع أفضل المنتجين العسكريين في مصر من أجل الحصول على مساحةٍ واسعة من السوق المصرية لمشاريع الطاقة المتجددة وتنظيف البيئة. حيث وقعّت الصين على مذكرة تفاهم مع الهيئة العربية للتصنيع، وذلك للتعاون في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح. ولعبت الشركات الأوروبية أيضاً دوراً نشطاً في هذا المجال. كما أبرمت الشركات الألمانية والدانماركية اتفاقات ترخيص ونقل التكنولوجيا مع الهيئة لتوليد طاقة الرياح، في حين أقامت الشركات الاسبانية والكندية شراكة مع الهيئة لبناء مصنع للألواح الضوئية بالقرب من القاهرة. وتشمل المشاريع الأخرى ذات الصلة بالبيئة التي تشارك فيها الشركة العسكرية، معالجة مياه الصرف الصحي، وحرق النفايات ومستلزمات تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي. وأبرز التقرير الذي أعدته كلية الهندسة بجامعة القاهرة قدرة الجيش على إنتاج المكونات اللازمة لصناعة الطاقة المتجددة، كما شدد الملحقون التجاريون في العديد من السفارات الأجنبية أيضاً على إمكانيات الاستثمار في هذه المجالات. وقد حققت هذه الأجهزة التسويقية أثرها: استثمرت ألمانيا 50 مليون يورو في إعادة تدوير قش الأرز، وبناء اثنين من المصانع بالتعاون مع الهيئة(15). حيث يُضغط ويُنقل قش الأرز بموجب العقد المبرم مع مؤسسة عسكرية أخرى هي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية (16).

وتظهر أيضاً، دوافع الجيش للوصول إلى رأس المال العابر للحدود الوطنية في خطاب وزيرالإنتاج الحربي المعين حديثاً، اللواء علي صبري، الذي أشرف على انفاق مليار جنيه مصري (حوالي 166 مليون دولار) لتوسيع إنتاج الجيش للأسمدة وعمليات معالجة المياه والصرف الصحي في 2006-2008. وعلى الرغم من تشابه العديد من تصريحات صبري مع سلفه بشأن تدريب الشباب الخريجين، والتنمية الصناعية في المناطق النائية، كان مولعاً بالإشارة إلى العديد من الشراكات الخارجية، خصوصاً تلك التي عقدها الجيش مع الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا العظمى، الصين وجنوب أفريقيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. وفي سيلٍ من المقابلات الصحافية عقب تعيينه، أشار صبري إلى قائمةٍ طويلةٍ من النجاحات العسكرية الاقتصادية، بما في ذلك نمو الإنتاج بنسبة 5 بالمئة في فترة ما بعد اندلاع الانتفاضة، والانتهاء من أول مصنع مصري لدرفلة مسطحات الصلب (الوحيد في المنطقة وفقاً لتصريحات صبري)، وإقامة مجمع صناعي على الطريق الصحراوي شمال شرق القاهرة، وتكثيف المشاريع التجارية المشتركة مع كبرى الشركات العالمية التي كانت "حريصة" على المضي قدماً في التوسع المقرر على الرغم من الاضطرابات السياسية المستمرة.

كما نجح المجلس العسكري أيضاً في استئناف المحادثات حول بعض الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي تم تأجيلها عندما طالب المستثمرون الأجانب، بتعزيز الضمانات ضد تقلبات العملة والمخاطر السياسية. وتأتي القطاعات الرئيسية المستهدفة من تمويل القطاعين العام والخاص - المستشفيات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والطرق - في نطاق السيطرة التقليدية للجيش، وقد احتلت مكانة بارزة في تصريحات صبري لوسائل الاعلام.

المراهنة مع موزع الأوراق

تتمتع التكتلات الأجنبية العاملة مع الجيش، بنفس نظام المزايا الذي تتمتع به شركات الإحتكارية المصرية، بما في ذلك المعاملة التفضيلية في العطاءات للحصول على عقود الدولة، إمتياز الوصول إلى البنية التحتية والخدمات، والإشعار المسبق بتعليق المشاريع. مع ذلك، تكمن الميزة الإضافية في القدرة على الاعتماد على الجنود المصريين لتأمين أصول الشركات، وهو نوع من التأمين لا يمكن أن يقدّمه أي فاعلٍ أخر. خلال عام 2011 ، مُنحت الخرافي الوطنية (جزء من مجموعة كويتية بنفس المسمى) مدرعة دفاعية لحماية تسليم المعدات اللازمة لمشروع محطة الشباب لتوليد الكهرباء، وهو جزء من مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص أقيم في عام 2010، وفقا لنشرة الأخبار الوطنية للخرافي: "وفرت القوات العسكرية المصرية قوات معززة بدبابات، لحماية مواقع عميله الكبرى في الشباب ودمياط ... يستخدم الجيش المصري أيضاً أفراد القوات العسكرية المسلحة لمرافقة عملية نقل قطع كبيرة من المعدات من توربينات الغاز الخاصة بشركة ميناء الاسماعيلية الى موقع الشباب ". وعندما أعلنت عدة دول خليجية، في أعقاب الثورة، حزم المساعدات لمصر على أمل احتواء الغضب الشعبي، أعلنت مجموعة الخرافي اقتراض 80 مليون دولار أخرى لتوسيع نطاق الاستثمارات في البنية التحتية في مصر، بالإضافة إلى نحو 7 مليارات دولار التي يستثمرها التكتل الكويتي بالفعل هناك.

منذ بداية الثورة، بذل قادة الجيش جهداً كبيراً لطمأنة الأطراف الخارجية في أن موانئ ومنشآت النفط والغاز، والمواقع الحيوية الأخرى تعمل بشكل طبيعي تحت مراقبة القوات المسلحة والشرطة (17). وبينما يعزز الجيش قوته الإضافية المتراكمة بإعتباره حاكم مصر الانتقالي، تصبح مزاياه باعتباره شريكاً تجارياً أكثر وضوحاً: لا يحصل المستثمرون الأجانب فقط على جنود لحماية ممتلكاتهم، ولكن أيضاً الصلات السياسية التي كانت دوماً الطريق إلى تحقيق المكاسب الاقتصادية في مصر. قد يصبح الاستثمار الأجنبي في المستقبل أكثر تمركزاً في المشاريع التي يملك فيها الجيش حصة.

ومن جانبه، سوف يعزز الجيش على الأرجح هجمته على القطاع الخاص مع تزايد عدد حلفائه في الخارج. حيث كان الجيش قادراً في الماضي على عرقلة مشاريع تجارية جديدة لأسباب "أمنية"، ولكن مع خسارة رأس مالها السياسي الثمين. اليوم، مع وجود عدد من الكيانات المدنية تحت رحمة تحقيقات الفساد، أصبح الجيش أكثر حرية في إملاء شروطه. مع القدرة على تحديد الفائزين والخاسرين من قمم قيادة الرأسمالية في مصر، وسيحتفظ المجلس العسكري بنفوذ غير قابل للطعن لفترة طويلة بعد العودة الرسمية للحكم المدني.

اختيار الاستبداد

اتسمت الكثير من التكهنات حول دور الجيش المصري في الاقتصاد بالتضليل. لقد قاد عداء اللواءات لجمال مبارك العديد من الناس إلى الإعتقاد بأنهم معارضون لجميع المشاريع النيوليبرالية أيضاً. وقد أخفى هذا التخمين حقيقة أنه، في عصر رأس المال العابر للحدود، يمكن العثور على بصمة الجيش في العديد من الأماكن خارج الشركات القابضة المملوكة للدولة رسميا. حيث وسعت المؤسسة العسكرية محفظتها من خلال إطلاق مشاريع مشتركة وشراء حصص في عمليات خاصة، واستغلال احتكارها على القطاعات المربحة، ومنح مزايا خاصة لشركات أجنبية من أجل إبراز نواياها الإقتصادية الحسنة. ورغم الشكوك حول طمع المجلس العسكري في السلطة السياسية المباشرة، يختلف الأمر بالنسبة لمركزية الصناعات العسكرية التي تديرها في مستقبل مصر الاقتصادي. حيث توفر للواءات ما يقرب من 12 شهراً لترسيخ مؤسساتها بحزم وذلك مما يجعلها غير قابلة للنقل.

إن عدم نزاهة حكم المجلس العسكري لعملية الانتقال السياسي، كانت واضحة منذ لحظة استقالة الرئيس مبارك. وكان أن وفر الغضب من الثروة الفاحشة للمقربين من القطاع الخاص لمبارك، الفرصة الذهبية للجيش للقضاء على المنافسين. وشرع المجلس العسكري في تشكيل الميدان الانتخابي بما يحابي هؤلاء الساسة الذين لا يتعدون على صلاحيات المؤسسة العسكرية الاقتصادية. ومن بين تكتيكاته الرئيسية، حملة مبهرجة ولكن شديدة الإنتقائية لمكافحة الفساد تمكّن فيها المجلس العسكري من تحييد مطالبة الشعب بالعدالة من خلال سجن كبار رجال الأعمال مثل أحمد عز، وثيق الصلة بجمال، والمسؤولون الذين لا يحظون بشعبية مثل وزير الإسكان السابق، إبراهيم سليمان. ومن غير المستغرب ألا يتصدى المدعون لرجال الأعمال المدنيين ذوي الروابط القوية مع الشركات العسكرية ، وكانت تلك إشارة إلى السياسيين لقبول دور الجيش في الاقتصاد أو يتم استبعادهم كلياً.

كما وضع المجلس العسكري أيضاً، قانوناً انتخابياً جديداً، يهدف إلى تقديم المميزات لأنصار الوضع الراهن. فلا يزال ثلث مقاعد مجلس نواب البرلمان مخصصاً للدوائر الإنتخابية الفردية مما يعطي ميزة لنفس سماسرة السلطة المحلية الذين استفادوا من رعاية الحزب الوطني. فيما تم توزيع المقاعد المتبقية وفقاً لنظام التمثيل النسبي، وعلى الرغم من أن هذا النظام يسمح بالتنافس على أساس حزبي، لم يكن يعني طلب المجلس العسكري إجراء انتخابات في وقت قريب جداً بعد استقالة الرئيس مبارك، سوى أن يكون معظم المتنافسين المحتملين في شدة الضعف وغياب التنظيم للقيام بحملات جادة. ومن ثم، كان عملاء الحزب الوطني القديم الفائزين هنا، أيضاً. كما أبقى قانون المجلس العسكري أيضاً على المادة التي تقضي بتخصيص نصف عدد المقاعد في مجلس النواب لـ "العمال والفلاحين"، على الرغم من أنه غالباً ما يسد هذه الفجوات أفراد الجيش والشرطة المتقاعدين. ثم يحتل الفائزون منهم لجان الدفاع والأمن الوطني في البرلمان، وهي الهيئة الوحيدة المسؤولة عن الإشراف الإسمي حتى على الجيش(18).

ويبدو أن الأسلوب العسكري لإدارة الانتخابات قد أتى ثماره. توافق أقوى خصم محتمل للجيش - الحرية والعدالة، حزب الإخوان المسلمين - مع القضايا البارزة، بما في ذلك الانضمام إلى معاهدة السلام مع إسرائيل، وهو شرطٌ لا غنى عنه للحصول على المساعدات العسكرية الأميركية باستمرار. وأعرب نواب الإخوان 'أيضاً عن دعمهم لحجب تفاصيل الميزانية العسكرية من زملائهم البرلمانيين الفضوليين (الذين سوف يحصلون فقط على رقم واحد شامل في الميزانية). وحشدت جماعة الإخوان أعضائها للوقوف جنباً إلى جنب مع قوات الأمن التي تواجه مظاهرات كبيرة، كما حدث يوم "ثلاثاء المصير" عندما سار المتظاهرون إلى مبنى البرلمان للمطالبة بتسريع نقل السلطة الى المدنيين.